الاثنين، 12 أغسطس 2013

ألفٌ ،نونٌ ، سين !

بدا مستعجلًا عند الفجر ، وكأن شيئًا ما سيفوته .! لا تسمع له صوتًا ،يُفتشُ في أدراج الخزانة باحثًا عن صندوقها الذي تضع فيه أشيائها الثمينة وكلَّ ماله ذكرى جميلة عاشت تفاصيلها .. يقلّب بصره تجاه النافذة ،خائفًا من أن يبزغ نور الفجر وهو مازال في المنزل .. وجده على مقربةٍ منها ،حاول أن لا يُوقظها بصوته ،بينما هي تتظاهرُ بالنوم ،فتح الصندوق وجد ضآلته تأملها مبتسمًا ووضعها في كَفِّه وهمَّ بالخروج حازمًا كوفيّته على رأسه وفي كفّه عِقدٌ نُقشَ عليه اسم (مارية) حاول أنس الذهاب خفيّة ودون وداع ،أدركته قبل خروجه . -أنس ! أذاهبٌ أنتَ ؟ - ملَلَتُ الحياة ! كأني مُقيدٌ بسلاسلٍ لا أستطيع منها خلاصًا . نائيًا عنها يُجيب : - أنا ذاهبٌ لتحقيق المُنى بالجِهاد، ما عُدتُ أطيقُ حياة الخنوع هذه ، وطيوف الأطفال والنساء والشيوخ لا تفارقني ، أقضتْ مضجعي يا مارية .! - وأنا لِمن تتركني ؟ أدار ظهره و رأها وكأنه يشعر أنها المرة الأخيرة التي سيراها فيها. - سامحيني لعلّي لا أعود! عانقتهُ عِناقَ المودع وتهمس له : طِبتَ وطاب ممشاكَ، طِبتَ حيًا وشهيدًا بإذن الله . بصوتِ متحشرجًا بالبكاء يُخالطه كبرياء رجل يحاول أن لا ينهار في حضنِ محبوبته : أوصيني ؟! أجابت روحٌ المرأة الأبيّة تسانده : تلك الأرض التي ستُجاهد عليها وتُقاتل من أجل نساءها وأطفالها ليستْ لنا .! إذا لم تكن مجاهدًا مُلبيًا لصراخات الثكالى والأيتام أرجوك لا تذهب .! امضِ حماك الله وكان عونك ومُبتغاك .! ألقاكَ في الجنة بإذن الله . قبّل جبينها وخرج مسرعًا حتى لا ينهار أمامها ويعود .! مضتْ الأيام وأنس غائبٌ وليس لمارية سوى قلبها يصلها بِه . بدأ أنس التدريبات في صفوف المجاهدين ،كانت وصيتها له لا تغادره ، يتذكر اللقاء الأخير - أتُراها الأخيرُ فعلًا ؟!- يمر شريط ذكرياتهما سويًّا أمام عينيه ،كانت له الأم والأب والزوجة والحبيبة ،كان وحيدًا إلا من مارية ! في أوقاتِ راحته يتأملُ عقدها فيبتسم ! ويطمئن .! بينما تطول ليالِ مارية شوقًا وحنينًا وألمًا، ترسم بخيالها عودته مرة وخبر استشهاده مراتٍ كثيرة . تحاول أن تُخالط الناس لكيِّ تنسى ،ولا تدعُ مجالًا للتفكير أن يُرهق روحها . صبيحة يوم الجمعة تتلقى رسالةً هاتفية : مارية .. أفتقدكِ جدًا .. لعل الرحيل يكون اليوم . أكرميني بدعائكِ لي . حاولتْ مرارًا الإتصال بِه لكن لا جدوى ! بكتْ مارية نادمة : ليتني لم أدعه يذهب ، لمن تركني هُنا ؟! أرهقتَ روحي يا أنس . ذلك اليوم أنس ينضم لصفوف المجاهدين لتحرير إحدى المناطق. احتدمتْ المعركة وحميَّ وطيسها وانتهت بإنتصار المجاهدين اُستشهدَ منهم عشرةٌ مقاتلين من بينهم أنس اخترقتْ أحشائه ثلاث رصاصاتِ طرحته أرضًا، وجده صديقه هشام صريعًا في كفّه عقد مارية .. وإبتسامة طفلٍ ارتسمت على ثغره.! مارية ...اُستُشهدَ أنس !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق