الاثنين، 15 أبريل 2013

بوحٌ لحبيب !



 
إنها الرابعة فجرًا ولم استطع النوم من شدّة التفكير , قمتُ من سريري لمّا تيقنتُ أني لا أنام والتعب أنهك جسدي وأود أن ارتاح ! جلستُ على الكرسي  الموجود في تلك الزاوية والهدوء يملأ المنزل ..بدأتُ أتأملُ حالي وألوم نفسي ! حتى متى وأنا  على هذا الحال ؟! أغمضتُ عيني لترتاح فلقد أُُجهدت كثيرًا .عندها رأيته ! كان جالسًا في مكانه المعهود في منزلنا , كان حسنَ الوجه , معافى البدن. أخذ يناديني أنْ اقتربي , من دهشتي أخذتُ أجرّ الخُطى إليه أأذهبْ أم لا؟! فقال : لطالما تمنيّتِ معانقتي بعد رحيلي وكم تحتاجينني  هذه الفترة ,فتعالِي إليَّ. عانقته عِناق المُحب لحبيبه وقلت : موحشةٌ هذه الدنيا من بعدكِ , يطيبُ لها حزني وبُكائي ! فالناس ما عادوا كما كانوا , النفوسُ تغيّرت والأحوالُ تبدّلتْ , كلُّ يدّعي الكمال وأداء الحقوق ! الكل يشتكي الهموم وقليلٌ الصابر , بعضهم يدّعي الوفاء وداخله مكتظٌ بالخيانة .ِ
ذرفتُ دمعي وقلتُ: حتى انا يا حبيب الروح ماعدتُ أنا ! أأخُبركَ كيف أصبحتُ من بعدك ؟ صرتُ أخشى على قلبي كثيرًا , لا أُطيق الفراق والحنينُ القاتل .أبي .. الحياةٌ قاسيةٌ جدًا وبدأتُ أخوض معاركَ معها واتّذكر في خِضّمها نصائحكَ لي ويثّبتني كفاحك وصبرك ! غرسك الخيّر فيني سيثمر ! كيف لا وقد علمتني ألا أُعلّق الرجاء إلا بالله ..
شعرتُ أني أطلتُ الحديث عن نفسي ولم أسأله عن حاله .. هاتِ ما عندكَ يا سيديّ..
أخذ يمسح بإحدى يديه على رأسي والأخرى تُطُوقُنِي وقال : كفكفي دمعكِ يا بُنيّتي لا أُطيقُ رؤية الدمع على وجنتيكِ .
يا صغيرتي .. اجعلي الله صوب عينيكِ وارسمي طريقكِ إلى الجنة ولا تقلقي إن واجهتِ المصاعب ستحُفكِ رحمة المولى سبحانه وسيُغيثكِ الله دائمًا ..
أكنتُ أنا أو أنتِ أفضل من النبي الكريم ؟! تأملي سيرته وانظري صبره وهل تُراه تراجع عن إكمال المسير؟!
نظر إليّ وابتسمَ ابتسامته التي لم أنساها رغم مضي السنين وقال : أخبرتيني يومًا عن حلمٌ تودين تحقيقيه ,, السر الذي بيننا هل تحقق ؟!
..قلتُ: يوشكُ أن يرى النور..
أبتاه .. حديثكَ كالبلسم !
سكتَ قليلًا ثم تساءل أصدقًا تغيّر الناس؟
ياااه  .. لقد تغيّروا كثيرًا ..الكثير منهم , وقليلٌ منهم على الخير لا يزال..
قال: هي الدنيا لا يدوم حالها فكيف بأهلها؟
اعتدل في جلسته ثم أمسك يدي ورفع رأسي ثم قال : خُذي منّي هذا الحديث واتبعيه ( بُنيّتي .. الحياة وقلوبٌ البشر ديدنُهما التقلّب فسألي الله الثبات على الحق دائمًا ..
لا بأس إن أبْكتنا  الهموم والغموم واعترانا الحزنٌ قليلًا !! لكن لا تجعلي الحزن موطنكِ بل اعتبريه محطةً ترتاحين فيها من طول المسير ثم تُكملين الطريق.
اعلم أني رحلتُ في وقتٍ كنتِ تحتاجين قربي من أي وقتِ آخر وهذه إرادةٌ الله لكن أنا واثقٌ أني علّمتكِ الشيء الكثير وغرستُ فيك روحًا عنيدةً لا تُهزم .. قاطعته تمامًا مثلك !
منال .. مازلتِ في مُقتبل العمر والحياة تنتظركِ لتتركي بصمةً خيّرة فيها ..

 
قبل أن ارحل .. بدّدي الحزن وانفيه عن روحكِ واجعلي القرآن ضياءَ دربك , والطريق إلى الله يحتاج الثبات  فاثبتي!..
وأمكِ التي بقيتْ لكِ من بعدي أكرميها وأحسني برّها حتى تسعدي في الدنيا والآخرة , واعلمي أن روحكِ غاليةٌ عليّ جدًا فصونيها عن أذى الدنيا حتى ألقاكِ عند باب الجنة بإذن الله ..
عزيزتي .. اتوق لسماعِ أخبارٍ تسرني عنكِ عمَّ قريب ..
ثمّة صوتٌ يخترق أذني يُشبه الآذان .. الله أكبر .. الله أكبر ..إنه آذان الفجر ..أيقظني ذلك الصوتٌ الندّي من شيء ليس حلمًا ولا رؤيا .. شيئًا لا أذكر منه سوى أني كنتُ برفقة والدي ..
أبي.. الله أكبر ..الله أكبر وتبدّد كل حُزنٍ أقام في قلبي ..وتلاشى كل تعبٍ أنهك جسدي !
أبتاه .. المُلتقى الجنة بإذن الله ..

 

 
ملاحظة .. اشتقتُ للحديث مع روحِ والدي فنسجتُ هذه القصة من خيالي !
ربّي .. اجمعني بأبي وأحبتي في الجنة وأنتَ راضٍ عنّا ..